تبون يَحلُّ بموريتانيا الأسبوع المقبل.. ونواكشوط "تتوجس" من استغلال الزيارة للإضرار بعلاقتها مع المغرب
يقوم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين المقبل، بزيارة رسمية إلى موريتانيا، هي الأولى لرئيس جزائري منذ نحو أربعة عقود، لكن لم يُرد لها أن تحمل طابعا "فوق العادي" وفق ما أكدته مصادر دبلوماسية بررت ذلك، بكونها خطوة تهدف إلى تجنب أي توظيف دعائي جزائري قد يُلقي بظلاله على العلاقات المغربية الموريتانية، سيما وأنها تأتي في توقيت دقيق، إذ تعقب بثلاثة أيام زيارة رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية للعاصمة الرباط، بدعوة من نظيره المغربي رشيد الطالبي العلمي، لتعزيز التعاون البرلماني بين البلدين، مما يعكس دينامية متسارعة في العلاقات المغربية الموريتانية قد تثير حرج الجزائر.
و تكتسب الزيارة المرتقبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أهمية خاصة في الأوساط الموريتانية، لمجموعة من الاعتبارات أولها٬ أنها الأولى لرئيس جزائري منذ 37 عاما، إذ تعود آخر زيارة إلى عام 1987، عندما زار الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد مدينة نواذيبو على الساحل الأطلسي لتدشين مصفاة نفط، كانت آنذاك هبة جزائرية، في عهد الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع، وعلى النقيض، زار الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني الجزائر نحو خمس مرات منذ توليه السلطة، ما يبرز مفارقة دبلوماسية تُعيد زيارة تبون المرتقبة إلى دائرة الاهتمام.
الاعتبار الثاني الذي يُضفي على هذه الزيارة أهمية استثنائية في الأوساط الموريتانية، يكمُن في الترقب الكبير لما قد تسفر عنه من نتائج ملموسة، خصوصاً أنها تأتي في أعقاب زيارة قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أول السعيد شنقريحة، لنواكشوط في أكتوبر الماضي، وحينها، أُعلن عن خطط لتسيير دوريات مشتركة على طول الحدود بين البلدين، مع تأكيد الطرفين على "النهوض بمستوى التعاون العسكري وإكسابه آفاقاً جديدة، لا سيما في مجال مكافحة التطرف العنيف والجريمة المنظمة التي تضرب منطقة الساحل"، غير أن هذا التعاون يُلقي بظلاله على تباينات واضحة في المواقف الإقليمية بين البلدين، وعلى رأسها قضية الصحراء، حيث شهدت السنوات الأخيرة تقارباً متسارعاً بين موريتانيا والمغرب، يقابله فتور وجفاء ملحوظين في علاقة نواكشوط مع الجبهة الانفصالية، بناء على معطيات ومؤشرات عديدة برزت في وقت سابق تجعل التنسيق بين الجزائر وموريتانيا خياراً ضرورياً تزامنا وسلسلة من الانتكاسات الدبلوماسية التي تعرضت لها الجزائر في ملف الصحراء.
الاعتبار الثالث الذي يبرز أهمية الزيارة المرتقبة لتبون يتمثل في توقيتها، حيث تأتي بعد أيام قليلة من زيارة رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية (البرلمان)، محمد ولد بمب ولد مكت، إلى العاصمة المغربية الرباط، تلبية لدعوة من نظيره المغربي رشيد الطالبي العلمي، استهدفت تعزيز التعاون البرلماني بين المؤسستين التشريعيتين في البلدين.
وقد شهدت هذه الزيارة زخماً دبلوماسياً لافتاً، تُوِّج بلقاء جمع رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، حيث جرى استعراض العلاقات الوثيقة بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية، وركز أيضاً على محاور التعاون المشترك، مع تسليط الضوء على خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الأخيرة، الذي أكد فيه أهمية الدبلوماسية البرلمانية في الدفاع عن مغربية الصحراء وتعزيز المكتسبات الوطنية في ملف الوحدة الترابية، وهو الموقف الذي لقي دعماً من أعضاء غرفتي البرلمان المغربي.
والاعتبارات المذكورة جميعها، لم تشفع لزيارة تبون المرتقبة لنواكشوط والتي تعد تاريخية رغم أنها تأتي في إطار مشاركته في مؤتمر حول "التعليم وتشغيل الشباب"، (لم تشفع لها) في حمل صبغة أكثر من "عادية" وفق ما كشفته مصادر من القصر الرئاسي لصحيفة "أنباء انفو" الموريتانية، مؤكدة أن نواكشوط تريدها أن تكون زيارة عادية حتى لا يقوم الطرف الجزائري بتوظيفها على المستوى الدعائي فى حربه الباردة ضد جارته الغربية المملكة المغربية.
وأبرز مصدر قريب من القصر الرئاسي فى موريتانيا للصحيفة الموريتانية، حرص حكومة البلاد على إبقاء زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للعاصمة انواكشوط، المتوقع أن تتم يوم الإثنين القادم "لا تخرج عن إطار دعم العلاقات والتعاون الثنائي بين البلدين الجارين ولا تحمل أي دلالة سياسية أخرى يمكن أن تؤثر سلبا في العلاقات القوية القائمة بين موريتانيا وجارتها الشمالية المغرب".
وفي هذا الإطار، أوضح أحمد بدي الصحافي والمحلل السياسي الموريتاني، أن زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون هي أول زيارة من نوعها لرئيس جزائري إلى نواكشوط منذ عقود، وتأتي استجابة لدعوة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، وذلك للمشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي التي تُعقد في العاصمة الموريتانية خلال الفترة من 9 إلى 11 دجنبر الجاري تحت شعار "تعليم وتأهيل شبابنا من أجل إفريقيا مزدهرة ومتكاملة وديناميكية".
بدي، وفي تصريح لـ "الصحيفة"، أبرز أن هذه القمة، التي يترأسها الرئيس ولد الشيخ الغزواني بصفته رئيس الاتحاد الأفريقي، تعد حدثًا إقليميًا بالغ الأهمية، وكان طبيعيا أن توجه الدعوة لقادة وزعماء الدول الأفريقية، مع التركيز على دول الجوار، بيد أن المُلاحظ واللافت بحسبه هو "أن الجزائر اختارت حضور الرئيس تبون شخصيًا، وهو ما يمكن تفسيره كخطوة دبلوماسية لتعزيز العلاقات الثنائية مع موريتانيا، وتقديرًا للجهود التي بذلها الرئيس الموريتاني في تعزيز العلاقات بين البلدين، فضلا عن كونها بمثابة رد جميل للرئيس تبون تجاه ولد الشيخ الغزواني، الذي زار الجزائر خمس مرات في فترات مختلفة، بما في ذلك زيارة دولة."
وتأتي هذه الزيارة، حسب المحلل السياسي في وقت تواصل موريتانيا تحت قيادة ولد الشيخ الغزواني تبني سياسة دبلوماسية متوازنة تهدف إلى الانفتاح على جميع الدول، مع الحفاظ على هدوء نسبي في سياستها الخارجية، مشيرا إلى أن موريتانيا، منذ وصول الرئيس الغزواني إلى السلطة، سعت إلى تعزيز علاقاتها مع مختلف الدول، بما في ذلك المغرب والجزائر، وقد حافظت على موقف محايد تجاه الخلافات بين الجزائر والمغرب، وأكدت مرارًا أنها لا ترغب في أن تكون جزءًا من هذا الصراع، بل على العكس، أبدت استعدادها للعب دور الوسيط بين الدولتين في محاولات لتهدئة الأوضاع وحل التوترات بينهما.
وبالنظر إلى السياق الدبلوماسي الإقليمي، يرى المتحدث أنه "لا يبدو أن زيارة الرئيس تبون إلى موريتانيا ستؤثر بشكل كبير على العلاقات الموريتانية-المغربية، فنواكشوط تسعى بشكل مستمر إلى تعزيز علاقاتها مع المغرب وفي الوقت ذاته تحافظ على علاقات متميزة مع الجزائر، وهذه التوازنات الدبلوماسية تعكس رغبة موريتانيا في الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع جيرانها، في إطار سياسة حياد نشطة تركز على التعاون الإقليمي وتجنب التورط في الخلافات الثنائية بين الدول في المنطقة".